
كان "بيتهوفن" ينفعل و يتأثر و يترجم انفعالاته بلغة الموسيقى فتسمع في موسيقاه صوت طبول الحرب و بكاء النساء و الأطفال و حقد الرجال المغلوبون على أمرهم بعد أن هدرت حريتهم. كان بيتهوفن متأثرا بموسيقى "موزار" و "هايدن".
كان بيتهوفن في الثامنة أو التاسعة من عمرة يجيد العزف علي البيانو
كان "موزار" معجبا بفن "بيتهوفن" و مقدرته و لكن لم تسمح ظروفه بتعليم بيتهوفن.
كان "بيتهوفن"معجبا بموسيقى "هايدن" و لكنه إذا عزف لحنا منها طوره تطويرا كان يذهل "هايدن" نفسه. كان يضيف إضافات كانت ترتفع بمستوى اللحن و كان يقول "هايدن" لـ "بيتهوفن" < إنك أنت أستاذي و لست أنا أستاذك> فكانت معدة بتهوفن الفنية تهضم كل ما يصل إليها من أنغام موسيقية و تحوله إلى عصارة نقية خالصة كما يتحول الطعام إلى "جلوكوز" بعد هضمه. و بعد ذلك يضيف "بتهوفن" على هذه العصارة النقية نفحات من فنه المبتكر ثم يجملها و يطورها تطويرا لم يسبقه إليه موسيقي آخر لأن موسيقاه كانت تبعث من عواطفه و انفعالاته النفسية الدفينة.

كانت مهمة والدته تشبه مهمة من يستخلص الذهب من شوائبه و كانت تدعي "ماري ماجدالينا لايم" و كانت من أسرة أقل من متوسطة. فكان أبوها يعمل طباخ في المطعم الذي كان يتردد عليه الشاب "جوهان بيتهوفن" والد الموسيقار العظيم . كان "جوهان" لا يهتم في حياته إلا بالعزف علي الكمان و شرب الخمر فتقابلا مصادفة في المطعم و أعجب "بماجدالينا" أنها ليست مثل سائر النساء في مدينة "بون" و أزداد إعجابها به حينما علمت أنه فنان يعزف بمهارة علي الكمان و يتولى تدريب الفرقة الموسيقية في قصر حاكم المدينة.
لكن الحب شيء و القدرة على تحمل مسؤولية الزواج شيء آخر. فقد كان يكثر في شرب الخمر و كان يحاول أن يغري حبيبته "ماجدالينا" أكثر من مرة بأن تشاركه شرب الخمر و لكنها كانت ترفض و قد نصحته بأن يقلع عن شرب الخمر و لكن في كل مرة كان يقول لها: إذا تزوجنا فإنك ستكونين بالنسبة لي خمري و كل أمري و سأقلع عن شرب الخمر.
و كان والد "جوهان" يدعى "لوفدج بتهوفن" و كانت شخصيته تختلف عن شخصية ابنه "جوهان".
كان رجلا عاقلا و رزينا و كان له مركزة المرموق و كان رئيسا للفرقة الموسيقية التي تعزف في قصر حاكم المدينة. فتزوج "جوهان" بـ"ماجدالينا" بعدما وافق والد "جوهان" و اعتقد أن الآلهة بعثت "ماجدالينا" لكي يحبها و تجعله يقلع عن شرب الخمر. و تم الزواج و لم يقلع "جوهان" عن الخمر.
و رزق الزوجان و كان أول طفل لهما هو الموسيقار "بتهوفن" في شهر ديسمبر 1770 و في سنة 1774 رزقا بالابن الثاني "كارل" و كان "بتهوفن" يحبه كثيرا و في سنة 1776 رزقا بالابن الثالث "جوهان" و كان له أخت ماتت بعد وفاة أمها حسرة عليها و كان اسمها "مارجريت"
و حين كان بيتهوفن في الخامسة من عمرة كان يخاف من أبيه. لقد كان "جوهان" عندما ينتهي من عملة في القصر كان يذهب إلى الحانات فكان لا يعود لبيته إلا مخمورا, فكان راتبه لا يكد يسد متطلبات أسرته و كان ينفق جانبا كبيرا على الخمر.
عندما وجد "جوهان" ابنة يتمتع بموهبة العزف على البيانو حاول أن يعلمه العزف على الكمان و لكنة كان يميل إلى العزف على البيانو و كانت معاملة أبيه له في محاولة تعليمه العزف على الكمان جعلته يكره الكمان. فصبرت "ماجدالينا" على سوء معاملة زوجها و إدمانه الخمر. و كان الجد هو بنفسه يعتني بحفيدة عناية فائقة فبعث به إلى المدرسة و كان يصطحبه في أوقات فراغه إلى نزهات في ضواحي مدينة "بون" فكان الجد يشجع حفيدة على عزف البيانو فكان يصطحبه إلى منزلة لكي يعزف .
حينما بلغ الخامسة من عمره عزف على البيانو لحنا من تأليفه فعجب أبيه "جوهان" و لكن تشجيعه لم يأت من حبه للموسيقى بل كان يطمع في جعل الطفل الموهوب عازفا محترفا على البيانو حتى يربح من المال ما يسد به جانبا من نفقات الأسرة التي أخذت تتزايد و هكذا عرف "بيتهوفن" من طفولته معنى الكد و التعب من أجل الإنفاق على أسرته.
كان الجد يتدخل في كثير من الأحيان ليرحم طفولة بتهوفن و لكن هذه الرحمة انقطعت بوفاة الجد الحنون فكانت الأم تبذل قصارى جهدها لكي تعوض ما فقده من عطف بوفاة جدة و كان "بيتهوفن" يحب أمه و لا يتصور الحياة بدونها.
و أتقن "بيتهوفن" و هو طفل العزف على الأرغن و كان الفضل يعود إلى "جوتيب نيف" الذي كان يدربه على العزف على أرغن الكنيسة.
و صار "جوهان" ينظم الحفلات تارة على البيانو و تارة أخرى على الأرغن فكان الناس يعجبون به و يصفقون له و كانت أمه الرحيمة تصر على حضور أغلب الحفلات التي كان يحييها و كان الطفل عندما ينتهي من العزف يندفع إلى أمه وراء الكواليس فتأخذه بين أحضانها. أما أبوه استمر في قسوته رغم النجاح الكبير الذي حققه "بيتهوفن". و انقلبت عاطفة "جوهان" نحو ابنه إلى مجرد استنزاف جهود ابنة ليحصل على مزيد من المال.
و عمت شهرة "بيتهوفن" في مدينة "بون" و انتقلت إلى بعض المدن الأخرى و لقد أطلق عليه النقاد الموسيقيون < الطفل المعجزة >.
لقد عين حاكم المدينة "بتهوفن" عازفا بالقصر مقابل راتب شهري ثابت ساعده بعض الشيء على تغطية نفقات الحياة بالنسبة له و لأسرته. فكان "بتهوفن" يحلم بالذهاب إلى فينا. فقد تمكن "بيتهوفن" من أن يدخر بعض المال فسافر إلى فينا و استقر به المقام فيها سنة 1792 أي عندما كان في الثانية و العشرين من عمره. و لقد سبقته شهرته إلى مدينة الأنغام فينا فرحب به عدد من رجال الطبقة الأرستقراطية في المدينة و كان من بينهم الأمير "لوبكوفيتس" و الأمير "كينسكي" و الأمير "رازوموفسكي" و أقام "بيتهوفن" عدة حفلات في فينا كان يعزف فيها على الأرغن أو على البيانو فحقق نجاحا عظيما و أصبح البيانو هو الهواية المحببة للطبقة الراقية في مدينة فينا. و تهافتت النسا

ء الراقيات على "بيتهوفن" لكي يكون لهن شرف تعلم العزف على يديه و كانوا يدفعون مبالغ كبيره له لكي يعلمهم العزف و عاش "بتهوفن" لأول مرة في دنيا سحر المرأة و الجمال الأنثوي و كان جمال فتيات النمسا أمر معروف.
كان "بيتهوفن" إذا اندمج في تأليف لحن جديد أصبح لا يشعر بأي أمر يدور حوله و إذا دخل عليه أقرب الناس إليه ينظر إلية نظرة شبه بلهاء و كأن عينيه لم تقع عليه من قبل إذا حدثه لم يرد عليه إما إذا أصر على الحديث معه فإنه كان ينفجر غاضبا و يأمره بالخروج و ربما قذفه بمزهرية قريبة أو بأي شيء آخر تقع عليه يده و كان أصدقائه و الأمراء يعرفون عنه تلك العصبية و لكنهم كانوا يتحملوها لأن "بيتهوفن" طيب القلب